"القائمـــة الســــوداء"

• كان في اعتقاد هذا الشاب الذي فقد مستقبله أنه لا يوجد نصب باسم التعليم، خاصة وأنه ولصغر سنه كان يظن بأنه ليس هناك نصب في مجال التعليم، إذ قال لم نسمع من قبل بوجود مدارس نصابة، أو عن عمليات نصب تتم في مجال التمريض؛ لأنه وبمنتهى البساطة مهنة إنسانية، ويجب على من يلتحق بها أن يتحلى بأخلاقها.

• نظرت شيرين إلينا في أثناء إجرائنا التحقيق ببسمة حزينة، واستكملت حديثها: تحطمت كل آمالي وأحلامي الذي كنت أحلم به لأكثر من ٨ أعوام في تلك اللحظة التي علمت بأنني فقدت أعواماً من عمري في سراب.
• شيرين كانت تعمل ليلاً نهاراً؛ لكي تدخر مصاريف المعهد، التي بلغت ١٠ الآلاف جنيه، على أمل أن تحقق حلمها الذي كان بمثابة المحرك الرئيسي لها، لكنها تفاجأت بأنها استيقظت على كابوس.

• في تلك اللحظة شعر بالريبة والقلق، لكنه لم يعر الأمر اهتمامه واستكمل إجراءات التقديم في المعهد دون أن يصطحب أحد والديه، اللذان اعتقدا أن الأكاديمية التي تقدم إليها نجلهما معتمدة.

• في أول يوم دراسة ذهب فؤاد بكل حماس إلى الأكاديمية، دخل قاعة المحاضرات التي كانت ضيقة للغاية، ولا تكفي عدد الطلاب البالغ عددهم ١٨٠٠ طالب، كما أن القاعة لا يوجد بها تدرج كالمتعارف عليه في الكليات، لكنه حاول أن يتأقلم مع الوضع، جلس واستمع إلى محاضراته التي كان يشرح بها الدكاترة كيفية قياس الضغط والسكر.

• مرت الأيام على فؤاد وهو يشعر بالقلق حيال هذه الأكاديمية، وازداد لديه هذا الشعور بعد حصوله على تدريب في مستشفى خاص وصفه بأنه مكان غير آدمي، وقال لعدسة بالمصري: إن التدريب كان يجري في بعض الأحيان بالعناية المركزة، مشيراً إلى أنهم في المستشفى كانوا يتعاملون مع الحالات هناك، ويتدربون عليها تحت إشراف خريجي أكاديمية أ.ك.

• علم فؤاد بحقيقة الأكاديمية يوم حفل التخرج، عندما أخذ شهادته، وجد أنها مجرد شهادة تقدير ممهورة بختم رسمي باسم جامعة حكومية، شعر في تلك اللحظة بخيبة أمل، لكنه حاول أن يتجاهل هذا الشعور، ويكذِّب الحقيقة المرّة التي علم بها، فأخذ الشهادة وتوجه بها إلى المستشفيات، إلا أنهم أكدوا له أنها غير معتمدة، ومن ثم لن يتمكن من العمل بها، عاد إلى منزله وسرد الأمر على والديه، لكنهما قالا له: ((استعوض ربنا لأن الناس ديه وراها ناس تقيلة وإحنا مش حملهم)).

• تخرجت شهد -اسم مستعار- من الثانوية العامة بمجموع ٥٥ في المائة، كانت تأمل في الدخول إلى كلية الصيدلة، إلا أن مجموعها كان حجر عثرة حال بينها وبين تحقيق حلمها، فقررت أن تبحث عن معاهد أو أكاديميات خاصة يمكن أن تقبل بها عن طريق صديقتها التي قالت لها عن أكاديمية أ.ك، حدثتها عن المميزات التي يقدمونها لطلابهم، كما أنها أكدت لها أن الأكاديمية لديها تصريح من قبل وزارة الصحة، وهي مؤسسة معتمدة، فذهبت هي وصديقتها إلى الأكاديمية، وقدمت في قسم التمريض، بينما صديقتها قدمت في قسم المساحة.

أخطر ملف عن كيانات التعليم الوهمية شهادات جامعية بدرجة صحيفة جنائية

• تدربت شهد في كليات التمريض التابعة للجامعات الحكومية في محافظتين، كان تشعر بالسرور فأخيراً تحقق حلمها، لكنه لم يكن سوى سراب ليس له أساس من الصحة، تبخر شعورها بالسرور، وتمكن منها الحزن، عندما علمت بأنه تم النصب عليها.

أحد الإعلانات التي تزعم فيها أكاديمية أ.ك بوجود برتوكول تعاون مع وزارة الصحة

• تقول شهد لعدسة بالمصري: اكتشفت أنني كنت ضحية خدعة كبرى يوم حفل التخرج، الذي ظهر فيه كل شيء على حقيقته، شعرت بالصدمة والقهر، ولم أستطع أن أقول لوالدي أنني تم النصب علي، خاصة وأنه كان معترضاً منذ البداية على التقديم في هذه الأكاديمية، احتفظت بالأمر أنا ووالدتي، لكن عقلي لا يتوقف أبداً عن التفكير، حيث أردت أن أجمع الأموال التي دفعتها من أجل أن أحصل على شهادة تمكين من العمل، وتعويض أهلي عن المبالغ المالية التي تم دفعها في المعهد، لكن الظروف كانت أقوى مني، والفلوس ألقيت على الأرض، وضاع مستقبلي.

• لم يجد هؤلاء الضحايا وسيلة أمامهم سوى تحرير محضر رسمي بالواقعة، يفيد بتعرضهم للنصب والاستيلاء على أموالهم كما قدم الطلاب أيضا شكوى في نيابة سيدي جابر والتي قيدت برقم ١٨٢٥ لسنة ٢٠٢٣ إداري سيدي جابر إذ تخلص واقعات تلك الشكوى بتضرر الطلاب من قيام المشكو في حقه س.ص رئيس أكاديمية أ.ك بالاستيلاء على بعض أموالهم كما أنه لم يُسلم الطلاب شهادات التخرج وكذا كارنيهات مزاولة المهنة، بالإضافة إلى إلغاء حفل التخرج وبناءً عليه ألقي القبض على صاحب المنشأة التعليمية الوهمية، وإذ باشرت النيابة التحقيقات التي أسفرت عن تورط س.ص بناءً على اعترافه في تحقيقات النيابة ولذلك قررت النيابة العامة حبسه احتياطيا على ذمة التحقيقات حتى تم إخلاء سبيله بضمان مالي قدره ٥٠ ألف جنيه بعد مضي المدة السالف ذكرها وبعد خروجه استمر في نشاطه، وأنشأ كيانات أخرى جديدة.

الكيانات التعليمية الوهمية تستعين بأشخاص غير متخصصين و تسيء لسمعة التعليم بمصر

• ويقول الدكتور حسام حمدي عميد كلية التربية بجامعة حلوان: إن الكيانات التعليمية الوهمية مرفوضة تماما، وأن وزارة التعليم العالي تتصدى بكل قوة لتلك الكيانات وتغلقها ،وأكد أيضا ان الأشخاص الذين يؤسسون كيانات وهمية هدفها التربح المالي الكبير فحسب، وبالتالي لا يستعينون بأشخاص متخصصين أو على درجة عالية من الكفاءة والمعرفة، ولا يسلكون السبل القانونية لتأسيس وترخيص المؤسسات التعليمية، يضعون أنفسهم تحت طائلة القانون لما له من أثر سلبى على الأجيال التي قد تنخدع وتلتحق بهذه الكيانات لمواصلة تعليمها، مشيراً إلى أنه لا بد أن تكون هناك رقابة شديدة على تلك الكيانات؛ لأنها تسيء إلى سمعة التعليم في مصر.

• وشدد عميد كلية التربية بجامعة حلوان على ضرورة تحري الطلاب وأولياء الأمور الدقة قبل التقديم في الكيانات التعليمية الخاصة، التي تعلن عن نفسها عبر وسائل التواصل الاجتماعي،، ويكتشفون في النهاية انها كيانات وهمية وليست معتمدة، وليس لها وجود على خريطة وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى للتعليم.

• وعلى صعيد آخر طرح بالمصري سؤالا للدكتور حسام حمدي -عميد كلية التربية بجامعة حلوان- حول آليات تأجير القاعات في الجامعات الحكومية، أكد على أنه لا يمكن لأي كيان وهمي أن يؤجر قاعة داخل جامعة حكومية ليس فقط لوجود قيود أمنية وإدارية تتحكم في تلك العملية ولكن بسبب الحفاظ على قدسية الحرم الجامعي والهدف من وجوده في المجتمع وأشار أنه فقط يسمح باستغلال هذه القاعات لنشر العلم والارتقاء بالبحث العلمي وذلك بتفاعل وتشارك الجامعة مع الكيانات المجتمعية العلمية و البحثية مثل الجمعيات العلمية المعترف بها رسميا بما يحقق رسالة الجامعة في دعم البحث العلمي ونشره.

• ولأخذ الرأي القانوني ذهبت عدسة بالمصري إلى المستشار عبد الرازق مصطفى (الباحث القانوني والخبير الحقوقي) الذي قال: إذا أعدنا أمر الكيانات التعليمية الوهمية إلى أصله، فلدينا كم هائل يتخرج من التعليم ما قبل الجامعي.
• والجامعات الحكومية مستحيل أن تستوعب هذا العدد الكبير، كما أن هناك بعض الدرجات المتدنية التي لا تقبلها وزارة التعليم العالي التي لديها قيود للمجاميع المؤهلة للدراسة في الجامعات الحكومية.

• وتابع، عندما خرج جزء كبير من إطار هذا النظام، ظهر (بيزنس) يسمى بالمعاهد الخاصة أو الأكاديميات الخاصة، في بداية نشأته من أعوام قريبة كان ولا زال تحت إشراف وزارة التعليم العالي، ومؤخراً فيما يقرب إلى عشرة أعوام ظهرت أماكن -للأسف- غير قانونية وشهاداتها غير معترف بها، ولا يوجد أحد منها تابعاً لوزارة التعليم العالي.

الطلاب يلهثون خلف الكيانات التعليمية الوهمية بسبب أملهم في اللحاق بسوق العمل

• وأشار الباحث القانوني إلى أن الغالبية العظمى من الطلاب يلهثون خلف الكيانات التعليمية الوهمية، دون أن يبحثوا عن قانونية تلك المنشآت بسبب أملهم في اللحاق بسوق العمل بمؤهل عالٍ، هذا بالإضافة إلى الدعاية والإعلانات التي تنشرها تلك الكيانات والشائعات التي يطلقونها، منها أن وضعهم سليم وقانوني، ولا توجد أي مشكلة لديهم، ومن ضمن إعلاناتهم أنهم يؤجلون فترة الجيش، ويعطون شهادة رسمية موثقة، إلا أن هذا الكلام غير صحيح أو كلام وهمي الهدف منه جذب أكبر عدد من الشباب.

• ويقول مصطفى: إنه في الآونة الأخيرة وقعت حوادث مشابهة لهؤلاء الضحايا وحوادث غيرها تتعلق بالماجستير والدكتوراه، فنحن أمام (مافيا) خاصة بالمعاهد والأكاديميات غير المعترف بها.

• وبسؤاله عن وضع الطلبة الذين تعرضوا لعملية النصب من تلك الكيانات، وهل ينطبق عليهم مقولة القانون لا يحمي المغفلين؟ قال: إن تلك المقولة تطلق على شيء غير موثق، لكننا أمام واقعة ضخمة وكبيرة للغاية، أولها أن الطالب توجه إلى مكان لكي يتلقى فيه دورات تعليمية، وفي نهاية الأمر حصل على شهادة معترف بها؛ لكي يعمل بها، كل هذا موثق بفيديوهات أو شهادات أو ورق صدر من الجهات الوهمية، يستطيع بموجبه أن يتوجه به إلى النيابة العامة؛ لكي تفتح تحقيقاً في الأمر، لأن هذا جزء من قانون العقوبات يختص بقضايا النصب والاحتيال.

هل مسموح بمزاولة مهنة التمريض دون ترخيص مزاولة مهنة؟

• يقول المستشار عبد الرازق: إن نقابة التمريض لديها آليات للحصول على ترخيص مزاولة المهنة، منها أنه لا بد أن يكون الممرض خريج أحد المعاهد الحكومية أو المدارس ذات الخمسة أعوام التابعة لوزارة التعليم العالي، أي لا بد أن تكون لديه وثيقة رسمية صادرة من جهة تابعة للحكومة، وما دون ذلك فهو وثيقة وهمية، ومن يفتح أبوابه أمام شخص لا يحمل ترخيص مزاولة مهنة يحاسب صاحب المنشأة جنائياً، وتتراوح عقوبته بالحبس من عام فيما فوق، ويدفع غرامة تبدأ من ٣٠ ألف جنيه.

ما عقوبة إصدار مستندات موثقة بختم شعار الجمهورية؟

• ختم النسر لا يُصدر سوى من جهات حكومية رسمية، فإذا كان مزوراً فنحن أمام جناية، والحكم فيها يرجع إلى محكمة الجنايات، وتبدأ عقوبتها طبقاً لمواد قانون العقوبات مادة ٢٠٦ من سجن مشدد، فنحن أمام جناية واضحة وصريحة، فهناك ختم نسر صدر من غير ذي صفة إصدار ورقة رسمية.

• وكان النائب محمود قاسم -عضو مجلس النواب- قد قدم طلب إحاطة في يوم الثلاثاء 2 يناير ٢٠٢٤، اتهم فيه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالتقصير في التصدي للكيانات التعليمية الوهمية.